المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون - 6 أبريل 2016
2021-10-11 586
قبل أربعةِ عقودٍ أو تزيد أنشَدَ الشاعرُ المدنيُّ الكبيرُ شيخُ الصحفيينَ في وقتِهِ الأستاذ علي حافظ رحمَهُ الله مؤسِّسُ جريدةِ (المدينة) قصيدتَهُ التي يقولُ فيها:
فيا طِيْبَ المدينةِ كُلُّ شِبرٍ
يُضيءُ بها ويَرْفـُلُ في سناها
ويا طِيبَ المدينةِ كلُّ قلبٍ
يطيرُ لَها ويخفق في لِقـَاها
ويا طِيبَ المدينةِ كلُّ شخصٍ
يحنُّ لها ويحرِصُ أَنْ يَراها
إنَّ هذا الحنينَ إلى المدينةِ ليَغْمُرُ قلبَ كلِّ مسلمٍ.
مُنذ تداعى الأوسُ والخزرجُ لنصرةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومنذُ وفدَ المهاجرونَ واحتَفَى بهمُ الأنصارُ، منذُ ذلك الحين والمدينةُ مهوى أفئدة المسلمينَ.
فما من مُسلمٍ على هذه الأرضِ إلا وهو يوَدُّ لو كُتِبَ له شرفُ الصلاةِ في مسجدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والسجودِ في روضةٍ مباركةٍ من رياضِ الجنةِ، ويتمنّى لو وقفَ في المواجهةِ الشريفةِ يُسلِّمُ على نبيِّ المرحمةِ صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيْهِ، ويطأُ بقدميْهِ مواطئَ أقدامِ أطهرِ جيلٍ على وجهِ الأرضِ.
تلك أمنيَّةٌ غاليةٌ على قلبِ كلِّ مسلمٍ.
أمنيَّةٌ جعلتِ الملايين على مرِّ العصورِ يتدفَّقونَ على هذه المدينةِ المباركةِ، زائرينَ، ومصلينَ، ومقيمينَ، ومجاورينَ.
لقد بَذَلَ خُلَفاءُ المسلمينَ منذُ أبي بكرٍ رضي الله عنه ما وَسِعَهم لتهيئةِ المسجدِ النبويِّ لصلاةِ المصلينَ، وزيارةِ الزائرينَ، فغيَّرَ أبوبكرٍ سواريه بعد أن نَخِرَتْ، وبنى عمرُ رضي الله عنه أَسَاسَهُ بالحجارةِ، وزادَ فيه من جهةِ الجنوبِ والشمالِ والغربِ، ووسَّعهُ عثمانُ رضي الله عنه أيضاً من هذه الجهاتِ، وغطَّى سقْفَهُ بخشبِ الساجِ، وكانَ يُشرفُ على البناءِ بنفسِهِ.
وتتابَعُ الخلفاءُ والملوكُ والأمراءُ بعدَ ذلكَ في التوسعةِ وتجويدِ البناءِ وتمتينِ الأساسِ، حتى جاءتِ الدولةُ السعوديةُ الثالثةُ فقدَّمَتْ للمسجدِ النبويِّ مالم يقدِّمْهُ أحدٌ من قبلُ، فتضاعفَتْ مساحةُ المسجدِ عما كانتْ عليه فأصبحتْ ثمانيةً وتسعين ألف مترٍ مربعٍ، بعدَ أنْ كانتْ أربعةَ آلافِ مترٍ مربع! وزيدَ عليها سطحُ المسجدِ وساحاتُهُ! إنّها أضخمُ وأفخمُ وأجلُّ توسعةٍ عَرَفَها التاريخُ لمسجدِ المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ولأنَّ حكومَتَنا الرشيدةَ تُولي الحرمينِ غاية اهتمامها لم تَقْتَصِرْ على مجرَّدِ البناءِ، بل عزَّزَتْ ذلك بخَدَماتِ البنيةِ التحتيةِ المتمثلةِ في التكييفِ والمواقفِ والمظلاتِ والقبابِ المتحركةِ.
ولم يكنْ ذلك كلَّ شيءٍ، بل كانَ للتنظيمِ والتوجيهِ والإرشادِ نصيبٌ كبيرٌ، إضافة إلى الخدمةِ البحثيةِ العلميةِ، التي تُخضعُ احتياجاتِه ومشكلاتِه للبحثِ العلميِّ الميدانيِّ المحرَّرِ بُغيةَ الوصولِ لأفضلِ الحلولِ وأَسْلَمِها، والتي تمثِّلُ نوعاً آخرَ مما تقدَّمهُ الدولةُ السعوديةُ خدمةً للمسجدِ النبويِّ.